في ولاية فرجينيا بأمريكا، قام المسلمون بالصلاة في كنيس يهودي بسبب ضيق المسجد وتزايد أعداد المصلين، وسبق أن صلوا في كنائس مسيحية لا تحوي مجسمات، والرئيس أوباما دعا إلى إفطار بمناسبة شهر رمضان الكريم في البيت الأبيض، وعمدة لندن حرّض البريطانيين على صيام يوم واحد تضامناً مع المسلمين هناك وللتقرب منهم، وكان أحد المفكرين اليابانيين الكبار صديقاً للرئيس مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق وعند زيارته في منزله، استاذن السيد مهاتير بأنه يريد أن يفطر، وقد كانت مفاجأة للياباني، أن يكون هناك فطور وقت المغرب، فرد الرئيس مهاتير بأنه يصوم الاثنين والخميس وفقاً للدين الإسلامي، فما كان من الصديق الياباني إلا أن قال إنه سيجرب وسيستمر بالصيام هذين اليومين تقليداً لصديقه الرئيس..
لست فقيهاً بإجازة الصلاة أو منعها في معابد يهودية أو كنائس مسيحية ولكن علماء من مصر أجازوا ذلك ورمزية هذا التعاون في بلد مفتوح مثل أمريكا تنزع صفة التعصب الذي اتهم به الإسلام والمسلمون، لكن أمام هذه الصورة الموضوعية تنتقل قضايا أكثر حدة لم تحسمها الجاليات هناك، كرفض الصلاة على مسلم بدعوى الشك في عقيدته، أو إمامة مسلم شيعي في مسجد سني، أو العكس في مجتمعات تقر الخلاف وتحله بالحوار وفق قوانينها..
لقد سمحت دول أوروبية وأمريكية شمالية ولاتينية ببناء المساجد وممارسة الشعائر بها دون قيود ، وقام العديد من تلك الشعوب بالتبرع لفقراء مسلمين كموقف إنساني لا علاقة له بخلافات مذهبية أو دينية، وكان قائد القاعدة الدكتور أيمن الظواهري سبق وأن طاف بتلك البلدان وجمع تبرعات منها أثناء احتلال السوفيات لأفغانستان، وتوّج الملك عبدالله بن عبدالعزيز دعوته بحوار الأديان والحضارات بأن أثمرت اجتماعات عالمية ونتائجها كانت إيجابية رغم أن البدايات عادة ما تكون صعبة ومعقدة، وبادر حتى في زيارة بابا الفاتيكان والتحاور معه..
تحارب أصحاب الديانات وغيرهم في مراحل تاريخية مختلفة، غير أن الطريق طويل فلو استمرت الخلافات والتقاتل والهيمنة على بلد يدين بما يتعارض مع جيش دولة منتصر أو مثل ما فعل ستالين عندما حاول محو الأديان بالتهجير القسري والذي نال دول آسيا الوسطى بالذات، لكنه عجز عن أن يقهر الإسلام بها، إذ بمجرد سقوط الاتحاد السوفياتي عادت المساجد إلى سابق عهدها ومعها المدارس الإسلامية..
مبدأ التعايش بين الأديان بروح التسامح قد يلغي الكثير من الجسور المقطوعة، والإسلام استطاع حماية أصحاب الديانتين السماويتين، وعاش اليهود في ظل الدولة الإسلامية مكرمين معززين، وهم يعترفون بذلك، وما تم بانتشاره بالدعوة يفوق ما حدث بالفتوحات، ولولا أنه دين عدالة وتسامح، لَما كان يستطيع أن ينمو داخل حضارات متقدمة وشعوب لها رصيد هائل من الفكر والثقافة والتنظيم الإداري والتراث الفلسفي مثل حضارتيْ فارس والروم، لكن في حاضرنا الراهن نرى الحروب في الأشهر الحرم وهدم المساجد وبيوت العبادة الأخرى واستهداف الناطق بالشهادتين والمؤدي فروض دينه بالقتل أو التهجير، وتكفير المؤمن وإباحة أمواله، وهي أعمال لا تتفق مع دين أصبح العدل والتسامح أساسه، ولعلنا نحتاج إلى مسلمين لإسلام عظيم يملك كل الأصعدة بالتقدم والعطاء..